بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 سبتمبر 2016

تاريخ وفاة السيد المعظم أبي محمد الحسن المثنى (ع) (40 ـ 96 هـ) ومبلغ عمره ودعوى إمامته وبيعة ابن الأشعث الكندي له




تاريخ وفاة
السَّيِّد المُعَظَّم أبي محمَّد الحسن المُثَنَّى (عليه السَّلام)
(40 ــ 96هـ)
ومَبْلَغِ عُمْرِهِ ودَعْوَى إمامَتِهِ وبَيعَةِ ابن الأشعَثِ الكِنْدِيِّ لهُ





بسم الله الرَّحمن الرَّحيم


الحَمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ على خِيرَتِهِ مِنْ خلقِهِ أجمعين، محمَّد وآلهِ الطَّاهرين.


وبعدُ، فهذا تحقيق مختَصَر في بيان تاريخ وفاة السَّيِّد الحسن المـُثَنَّى بن الإمام الحسن المـُجتَبَى بن الإمام أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليهم السَّلام)، ومَبْلَغِ عُمْرِهِ الشَّريف، ودعوى إمامته وبيعة ابن الأشعث الكنديّ له في ثورته على الحكم الأمويّ، استخرجتُهُ من حاشيتي على كتاب «المـُختَصَر في أخبار مَشاهير الطَّالبيَّة والأئمَّة الاثني عشر» ــ الصَّادر بتحقيقي وشرحي عن مركز إحياء التُّراث في دار مخطوطات العتبة العبَّاسية المـُقدَّسة، وهو مِنْ تأليف السَّيِّد صَفِيِّ الدِّين أبي عبدالله محمَّد بن عليِّ بن عليٍّ العَلَوِيِّ الحَسَنِيِّ الطَّباطَبائيِّ الرَّسِّيِّ الحِلِّيِّ المعروف بابن طَباطَبا والشَّهير بابن الطَّقْطَقِيِّ المـُتَوفَّى حدود سنة (720هـ)، صاحبُ الكتابين الشَّهيرين: «الفخري في الآداب السُّلطانيَّة والدُّول الإسلاميَّة»، و«الأَصِيلي في النَّسَب» ــ مع بعض التَّصرُّف كي يتناسَبَ مع نشره مُستقلاًّ.



قال السَّيِّد صَفِيُّ الدِّين محمَّد بن عليٍّ العَلَوِيُّ الحَسَنِيُّ الطَّباطَبائيُّ الحِلِّيُّ المعروف بابن طَباطَبا وبابن الطَّقْطَقِيِّ في كتابه المـُختَصَر في أخبار مَشاهير الطَّالبيَّة والأئمَّة الاثني عشر صـ240، حاكياً مَبْلَغَ عُمْرِ الحسن المـُثنَّى: «وتُوفِّي ولهُ مِنَ العُمْرِ خمسٌ وثلاثونَ سَنَةً».

وكذا قال في كِتابهِ الأصِيلي أنَّهُ عاشَ خمسًا وثلاثين سنةً، وبمثلهِ قال السَّيِّد ابن عِنَبَةَ في العُمدةِ الكُبرَى التَّيموريَّة والوسطى الجلاليَّة، وقَبْلَهُما قالهُ الشَّيخُ المـُفيد في الإرشاد 2/25، والسَّيِّد أبو إسماعيل الطَّباطبائيُّ في المـُنْتَقِلَةِ صـ308، وأمينُ الإسلامِ أبو عليٍّ الطَّبرسيُّ في إعلامِ الوَرَى 1/418، وغيرهم.

وهذه الرِّوايةُ في تحديد عُمْرهِ بخمسٍ وثلاثينَ سنةً هي روايَةُ الشَّيخ الفاضل أبي الحسن محمَّد بن إبراهيم بن عليٍّ الأسَديّ الكُوفيّ المعروف بابن دينار النَّسَّابة المـُشجِّر القديم، رَواها عنهُ السَّيِّد العُمَرِيُّ في المـَجْدِيّ صـ221، ورِوايَةُ الحافظ أبي بكرٍ محمَّد التَّميميّ الجِعابِيّ القاضي، شيخ شَيْخَيْنا الصَّدوق والمـُفيد، رَواها في كِتابهِ تاريخِ الطَّالبيِّين ــ كما حكاهُ عنهُ الحافظُ مُغُلْطاي بن قِلِيج في إكمالِ التَّهذيب 4/77 ــ عن موسى الجون بن عبدالله المحض، قال: «ماتَ الحسن ولهُ خمسٌ وثلاثونَ سنةً»، ولا يَبعُدُ أن يكونَ الشَّيخُ المـُفيد قد رَواها عنهُ؛ لأنَّهُ رَوَى عنهُ سائِرَ كُتُبِهِ بما فيها كِتابهُ تاريخ الطَّالبيِّين، أو أخبار آل أبي طالب كما سمَّاهُ شَيخُنا أبو العبَّاس النَّجاشِيُّ في رجالِهِ صـ395، فلاحِظ.

وللفائدَة؛ فإنَّ أبا الحسنِ ابنَ دينار الأسَديّ الكُوفيّ النَّسَّابة، وأبا بكرٍ الجِعابِيّ، مُعاصِران لبعضِهِما، وابنُ دينار أسَنُّ مِنَ الجِعابِيّ، وتُوفِّيَ قَبْلَهُ، واللَّطيفُ في رِوايةِ الجِعابِيّ أنَّهُ حَكاها عن مُوسى الجون، والجِعابِيّ جليلٌ أمينٌ في نَقلِهِ كما لا يَخفى، فإن صحَّتْ فهي حُجَّةٌ لا تُدفَعُ أبدًا، فموسى أدرَى بِجدِّهِ مِنْ غَيرهِ، ولَعَمْري هي صحيحة لكن ليسَ بالوجهِ الَّذي حُكِيَ، بل كما سَتَعرِفُهُ عمَّا قريب.

وكما تَرَى فإنَّ هذا الجَمعَ مِنْ أجلاَّءِ الأعلامِ اتَّفقوا على تحديدِ عُمْرِ الحسنِ المـُثنَّى بخمسٍ وثلاثينَ سنةً، وأرسلوهُ إرسالَ المـُسلَّمات، وهذا لا يَتمشَّى أبدًا؛ إذ إنَّ للحسنِ حادِثَةً مشهورةً مع الحجَّاج، حينما طلبَ إليهِ الأخيرُ ــ وكان يَومئذٍ واليًا لعبدالملك على المَدينة ــ أن يُشرِكَ معهُ عمَّهُ عُمَرَ بن عليٍّ في صدقات أمير المؤمنين (عليه السَّلام)، فامتَنَعَ الحسنُ وأبَى أن يُغيِّرَ شَرْطَ عليٍّ (عليه السَّلام) في أن تَخرُجَ صدقاتهُ إلى غير وَلَدهُ مِنْ فاطمة (عليها السَّلام)، فأرادَ الحجَّاجُ أن يُدخِلَ عُمَرَ فيها رُغمًا عنهُ، فوفَدَ الحسن على عبدالملك يَشتكي الحجَّاجَ إليه، فكتَبَ لهُ كتابًا يَمنَعُ الحجَّاجَ مِنْ مُعارَضَتِهِ في صدقات عليٍّ (عليه السَّلام).

ولا يَخفى أنَّ الحجَّاجَ وَلِيَ الحجاز لعبدالملك سنةَ ثلاثٍ وسبعين بعد أن قَتَلَ عبدالله بن الزُّبير، وعُزِلَ عنهُ سنةَ خمسٍ وسبعين، وعليه فالحادثةُ المذكورةُ وقعتْ بين هذين العامين.

وكُنَّا قد خلصنا إلى أنَّ الحسنَ المـُثنَّى كانَ قد وُلِدَ سَنَةَ أربعين مِنَ الهجرة (انظر تحقيقنا في هذه المسألة في حاشية الصَّفحات: 238، 239، 240 مِنْ كتاب المـُختصَر لابن الطَّقْطَقِيّ)، فإذا أضفنا إليها ما رُويَ بأنَّهُ عاشَ خمسًا وثلاثينَ سنةً، تكون وفاتهُ في سنةِ خمسٍ وسبعين، أي في السَّنَةِ الَّتي عُزِلَ فيها الحجَّاجُ عن ولاية الحجاز، وهذا لا شكَّ باطِلٌ ومَردُودٌ ولا يُمكِنُ التَّصديقُ به قطعًا، ولَمْ يَقُل به أحدٌ مُطلقًا، ثُمَّ إنَّ عبدالملك تُوفِّي سنةَ ستٍّ وثمانين، ووجودُ الحسنِ في الحياةِ أيَّامَ مُلْكِ الوليد بن عبدالملك مِنَ المـُسلَّمات، والأخبارُ المنقُولَةُ دالَّةٌ على ذلك.

وذَكَرَ السَّيِّد أبو العبَّاس أحمد الحَسَنيُّ الدَّاوُديّ في المـَصابيح صـ382 أنَّ الحسن تُوفِّي وهو ابن ثمانٍ وثلاثين سنةً، ثُمَّ عقَّبَ بقولِه: «وقِيلَ: سبعٍ وثلاثين». ولَمْ أقَفْ على أحدٍ ممَّنْ تَقدَّمَ عليه قال بمثلهِ سِواهُ، وأيضًا هذا مردُودٌ كسابِقِهِ.

وذَكَرَ ابنُ الجَوزِيّ في المـُنْتَظَم أنَّ الحسنَ المـُثنَّى تُوفِّيَ في سنةِ إحدى وتسعينَ، كما في وَفَياتِ السَّنةِ المذكورة مِنْ كِتابهِ 6/301، وعليه فوفاتُهُ كانت في أيَّام الوليد بن عبدالملك.

وذكَرَ الصَّفديُّ في الوافي 11/416، أنَّ وفاتَهُ كانت في أيَّام الوليد بن عبدالملك، ثُمَّ عقَّبَهُ بقولِه: «وقِيلَ: سنة سبعٍ وتسعين»، ممَّا يُرشِدُ إلى أنَّ الأوَّلَ هو المشهور، والثَّاني إنَّما هو قَولٌ لا أكثر، وهو قَولُ شيخِهِ الذَّهبيّ في تاريخه ــ وأظنُّ أنَّهُ أوَّلُ مَنْ قال به فيما يَظهَرُ لي، يُقوِّيهِ قَولُ ابن حَجَرٍ في تَهذيب التَّهذيب: «قرأتُ بخطِّ الذَّهبيّ: ماتَ سنةَ 97» ــ وذَكَرَهُ في الطَّبَقَةِ العاشرَة، في وَفَياتِ سنةِ سبعٍ وتسعين 2/1043، وأيضًا في ترجمة الحسنِ مِنْ رِجالِ هذه الطَّبَقة 2/1079، وتابَعَهُ تلميذُهُ ابنُ كثيرٍ في البِداية والنِّهاية في ترجمة الحسنِ مِنْ وَفَياتِ السَّنَةِ المذكُورة 9/170، بخلافِ تلميذِهِ الآخَر الصَّفديّ، الَّذي ــ وكما تقدَّمَ ــ أثبَتَ التَّاريخَ الأوَّل؛ لكونِهِ المشهور، وساقَ الثَّاني بَعْدَهُ بصيغَةِ التَّمريض، كما يَلُوحُ مِنْ كلامِهِ.

ثُمَّ إنَّ الذَّهبيَّ حَصَلَ لهُ تردَّدٌ بعدَ ذلكَ في تحديد سنةِ وفاتِهِ كما في ذَيلِ ترجمة الحسنِ المـُثنَّى مِنْ كِتابِهِ السِّيَر 4/486، فقال: «تُوفِّي الحسن بن الحسن سنةَ تِسعٍ وتسعين. وقيلَ: في سَبعٍ وتَسعين»، وكِلاهُما لا يَتَّفِقُ مع زَمَنِ الوليد بن عبدالملك.

وتابَعَ ابن حَجَرٍ في تَهذيب التَّهذيب 2/263، وتَقريب التَّهذيب صـ159 الذَّهبيَّ في تاريخِهِ، فذَكَرَ أنَّ الحسنَ المـُثنَّى تُوفِّيَ سنةَ سبعٍ وتسعين، وزادَ في التَّقريب فقال: «ولهُ بِضْعٌ وخمسونَ سنةً».

والتَّاريخُ الأوَّلُ، أي أنَّهُ تُوفِّي في أيَّام الوليد بن عبدالملك، هو المـُعَوَّلُ عليه، لكونه المشهور والثَّابتَ عِندَ النَّسَّابين، وهُم الأعلَمُ والأخبَر، بخاصَّةٍ أنَّ القائلينَ به مِنْهُم مُتَقدِّمونَ زَمَنًا، وهُم شُيُوخُ هذا العِلمِ وأربابهُ، فعَنْ شيخنا الرَّئيس السَّيِّد أبي الحسنِ العَلَوِيّ العُمَرِيّ المعروف بابنِ الصُّوفِيّ في كِتابهِ المـَجْدِيّ صـ221، عن السَّيِّد أبي القاسم الحسين ابن خِداعٍ العَلَويّ الأرْقَطِيّ المِصرِيّ النَّسَّابة، قال: «ماتَ الحسنُ المـُثَنَّى أيَّامَ الوليدِ بن عبدالملك». قال السَّيِّد أبُو الحسنِ العُمَرِيُّ مُعَقِّبًا: «هذا قَولٌ صحيحٌ عِندِي».

وقال السَّيِّد أبو العبَّاس أحمد الحَسَنِيُّ الدَّاوديُّ في المـَصابيح صـ382 بعدَ أن ذَكَرَ خَبَرَ خُرُوجِ عبدالرَّحمن بن محمَّد بن الأشعَثِ الكِنْديّ في أيَّامِ عبدالملك بن مروان، ودَعوَتِهِ للحسنِ ومبايَعَتِهِ لهُ: «وتَوارَى الحسن بن الحسن بأرضِ الحجاز وتهامة حتَّى ماتَ عبدالملك بن مروان، فلمَّا وَلِيَ الوليدُ بن عبدالملك اشْتَدَّ طَلَبُهُ للحسن بن الحسن، حتَّى دَسَّ إليه مَنْ سقاهُ السُّمَّ، وحُمِلَ إلى المَدينَةِ مَيِّتًا على أعناقِ الرِّجال، ودُفِنَ بالبقيع».

وقال السَّيِّدُ أبو إسماعيل الطَّباطبائيُّ في المـُنْتَقِلَةِ صـ308: «قَتَلَهُ الوليد بن عبدالملك صَبْرًا».

وقال السَّيِّد ابن عِنَبَةَ في العُمدَةِ الوسطى الجلاليَّة: «وكانَ عبدالرَّحمن بن محمَّد بن الأشعَثِ قد دعا إليهِ وبايَعَهُ، فلمَّا قُتِلَ عبدُالرَّحمنِ تَوارَى الحسنُ حتَّى دَسَّ إليه الوليد بن عبدالملك مَنْ سَقاهُ سُمَّا، فمات». قلتُ: وكَلامُهُ أشبَهُ بكلامِ السَّيِّد أبي العبَّاس، فتأمَّل.

والمـُتَحَصِّلُ مِنْ هذه الأخبار هو أنَّ وفاةَ الحسن المـُثنَّى كانت في أيَّام الوليد بن عبدالملك، وهو المشهور لتَضافُرِ النُّصُوصِ الواردة فيه، بحيثُ صارَ يُمكِنُنا الجَزْمُ بذلك بناءً على ما تقدَّمَ نَقلُهُ، ويُطرَحُ قَولُ الذَّهبيّ لتأخُّرِهِ وشذُوذِهِ بقَولِهِ عمَّنْ سَبَقَهُ، ومِنْ ثُمَّ تَردُّدِه، وكذلكَ يُطرحُ قَولُ مَنْ تابَعهُ وتأخَّرَ عنهُ؛ لأنَّ مَدارهُم عليه، ويُنظَرُ ما حكاهُ ابن حَجَرٍ في مَبلَغِ عُمْرِ الحسنِ مِنْ قَولِهِ: «بِضعٌ وخمسونَ سنةٍ».

وبعدَ أن عَرَفْتَ هذا وأنَّ ما يُركَنُ إليه ويُعتَمَدُ عليه في وفاةِ الحسن أنَّها كانت في أيَّامِ الوليد بن عبدالملك، بَقيَ أن نُعَيِّنَ سنةَ وفاته، وقد عَرَفْتَ أيضًا مِنْ كلامِ السَّيِّدَينِ أبي العبَّاس وابنِ عِنَبَةَ أنَّ عبدالرَّحمن الكِنْدِيَّ كانَ قد دَعا وبايَعَ للحسنِ المـُثَنَّى، فلمَّا قُتِلَ عبدالرَّحمن تَوارَى الحسنُ حتَّى دَسَّ إليه الوليدُ بن عبدالملك مَنْ سَقاهُ السُّمَّ فمات.

وكانَ السَّيِّدُ أبو العبَّاس قد رَوَى ــ في مَعرضِ كلامِهِ عن بيعة عبدالرَّحمن للحسن المـُثنَّى ــ أنَّ عبدالرَّحمن وبعدَ أن خَلَعَ عبدالملك والحجَّاجَ هَمَّ بأن يدعُو إلى نَفْسِهِ، فمنَعَهُ مَنْ كانَ معهُ مِنْ عُلماءِ العراقِ مِنْ أن يَفعَل، وخَوَّفُوهُ أنَّ هذا الأمرَ لا يَلتَئِمُ إلاَّ برجلٍ مِنْ قُرَيش، فأقرَّهُم، فكَتَبُوا إلى زينِ العابدينَ (عليه السَّلام) فامتَنَعَ، وإلى الحسنِ فتوقَّفَ في بادِئ الأمر خِشيَةَ أن يَغدِروا به، ثُمَّ إنَّهُ قَبِلَ مِنْهُم على مَضَضٍ، وذلكَ بعدَ أن وَرَدَتْ عليه كُتُبُهُم بالبيعة والأيمانِ المـُغلَّظَة، وخَرَجَ إليه مِنْهُم: عبدالرَّحمن بن أبي ليلى، وأبو البَخْتَريّ الطَّائيّ، والشَّعْبِيّ، وأبو وائلٍ شَقيق، وعاصم ابن ضَمْرَة السَّلُولِيّ، هؤلاء عن أهل الكُوفة، وعن أهل البَصرة: محمَّد بن سيرين، وعبدالرَّحمنِ بن الشِّخِّير، والحسن البَصريّ، وحارِثَة بن مُضَرَّبٍ، وحَرِيش بن قُدامَة، وسمُّوا الحسنَ بـ«الرِّضا»، ثُمَّ كانت الحربُ بينَ ابن الأشعث والحجَّاجِ ثلاثَ سنينٍ، ثُمَّ دَخلَ ابن الأشعث الكُوفة، فاجتَمَعَ إليه حمزة بن المُغيرة بن شُعبَة، وقُدامَةُ الضَّبِّيُّ، وابن مَصْقَلَةَ الشَّيبانيّ، في جماعةٍ مِنَ الفُقهاء والقُرَّاء، فقالوا لهُ: أظهِر اسمَ الرَّجلُ فقد بايَعناهُ ورَضينا به إمامًا ورِضًا.

فلمَّا كان يوم الجمعة أظهَرَ اسمَهُ وخطبَ لهُ، حتَّى إذا كان يوم الجمعة الثَّانية أسقطَ اسمَهُ مِنَ الخُطبَة، ثُمَّ كانت وَقعَةُ دَيرِ الجَماجِم، فانهَزَمَ ابنُ الأشعث ومَضَى هارِبًا، وثَبُتَ عبدالله ــ كذا سمَّاهُ ــ بن العبَّاسِ بن رَبيعَة بن الحارث بن عبدالمُطَّلِب، وكانَ على خَيلِ ابنِ الأشعث داعِيَةً للحسنِ المـُثنَّى، فانهَزمَ ولَحِقَ بابن الأشعث، هذا كلامُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ ما حَكيناهُ عنهُ مِنْ تواري الحسن.

وفي هذا الكلامِ نَظَرٌ عِندِي، فإنَّ عبدالرَّحمن كانَ قائِدًا على جَيشِ الحجَّاج الَّذي أرسَلَهُ لفَتحِ بلادِ التُّركِ، ومَلِكُها رُتْبِيل، وكانَ عبدالرَّحمن يَرَى في نَفْسِهِ أنَّهُ أحقُّ مِنَ الحجَّاجِ بإمارَةِ العراق، بل أحقُّ مِنْ عبدالملك بالخلافَةِ نَفْسِها، وكانَ بَينهُ وبينَ الحجَّاج كُرهٌ شديد، فدَفَعَتهُ أنَفَتُهُ وخُيَلاؤهُ وكُرهُهُ للحجَّاجِ إلى الخُروجِ عليه وخَلْعِ طاعَتِهِ وإعلانِ نَفْسِهِ أميرًا على العِراقِ، ومِنْ ثُمَّ خَلَعَ بيعة عبدالملك بن مروان وأعلنَ نفْسَهُ خليفةً وبايَعَهُ أصحابُهُ على ذلك، والتَفَّ أهلُ العراق حَولَهُ مِنْ كُلِّ جانب، حتَّى قِيلَ: إنَّهُ سارَ معهُ ثلاثَةٌ وثلاثُونَ ألفَ فارِسٍ، ومِائَةٌ وعشرونَ ألفَ راجلٍ، وأيَّدَهُ في ثَورتهِ على الحجَّاجِ جَمعٌ مِنْ فُقهاء الكُوفة وقُرَّائِها وصُلَحائِها، لِما كانَ مِنْ ظُلمِ الحجَّاجِ وجَوْرِهِ وإماتَتِهِ لوَقتِ الصَّلاةِ، فوَجَدوا في عبدالرَّحمن خلاصَهَم مِنَ الحجَّاج وعَسْفِهِ، حتَّى أنَّ شعارَ عبدالرَّحمن وصَحبِهِ كانَ يا لِثاراتِ الصَّلاة.

وجَرَتْ بينَهُ وبَيْنَ الحجَّاجِ وقائِعُ كثيرَة، كانَ الظَّفَرُ في أكثَرِها لعبدالرَّحمن، حتَّى كانت وَقعَةُ دَيرِ الجَماجِم، وفيها اجتَمَعَ أهلُ العراق وخَلَعوا عبدالملك بن مروان مُجدَّدًا، فقال عبدالرَّحمن ــ كما في تاريخ ابن الأثير 3/496 ــ : «ألا إنَّ بني مروانَ يُعَيَّرُونَ بالزَّرْقاءِ، واللهِ ما لَهُم نَسَبٌ أصَحُّ مِنْهُ، ألا إنَّ بني أبي العاص أعلاجٌ مِنْ أهلِ صَفُّورِيَة، فإن يَكُن هذا الأمرُ فِي قُرَيشٍ فعَنِّي فُقِئَتْ بَيْضَةُ قُرَيشٍ، وإن يَكُن في العَرَبِ فأنا ابنُ الأشعث»، ومدَّ بها صَوتَهُ يُسْمِعِ النَّاس.

قال كاتبه أبو الحسنِ المـُوسَويُّ ــ كان الله لهُ ــ : لأنَّ أُمَّ محمَّد بن الأشعث والد عبدالرَّحمن: أُمُّ فَرْوَةَ بنت أبي قُحافَة، أُخت أبي بكرٍ.

ثُمَّ إنَّ عبدالرَّحمن انهَزَمَ بعدَ حربٍ طويلةٍ دامَتْ نحو مِائَةِ يومٍ، ثُمَّ انهَزَمَ في وقعة مَسْكِنٍ أيضًا، فهَربَ إلى رُتْبِيل، فأمَّنَهُ، ثُمَّ غدَرَ به، فقَتَلهُ وبعَثَ برأسِهِ إلى الحجَّاج، وقِيلَ ماتَ عبدالرَّحمن بالسُّلِّ، فقَطَعَ رُتْبِيلُ رأسَهُ قَبْلَ أن يُدفَنَ وأرسَلَهُ إلى الحجَّاج، وقِيلَ: إنَّ رُتْبِيلَ قيَّدَهُ وأرسَلَهُ إلى عُمارَةَ عامِلِ الحجَّاج، فألقَى عبدالرَّحمن نَفْسَهُ مِنْ سَطْحٍ فماتَ، فاحْتُزَّ رأسُهُ وسُيِّرَ إلى الحجَّاج، وكانَ ذلكَ سنةَ خَمسٍ وثمانينَ، وقِيلَ: سنةَ أربعٍ وثمانين.

ومَنْ شاءَ الاستزادَةَ في أخبار ابن الأشعث وثورته فليَنظُر: حوادِثَ سنة ثمانين إلى سنة خمس وثمانين في تاريخ الطَّبريّ، وتاريخ ابن الأثير، وتاريخ الذَّهبيّ، وحوادث سنةِ ثمانين إلى سنةِ أربع وثمانين في تاريخ ابن كثير، ولينظُر كذلك: تجارب الأُمم: 1/221 ــ 244.

وكما تَرَى فليسَ للحسنِ أيُّ ذِكْرٍ أو أثَرٍ في ثورة عبدالرَّحمن، وقَدْ عَرَفتَ كلامَهُ وكيفَ أنَّهُ كانَ يَرَى نَفْسَهُ مُسْتَحقًّا للخلافة، وكادَ أن يُزيلَ بثورتهِ سلطان بني أُميَّة، وقد استوعَبَ المُؤرِّخونَ أخبارَ خُروجهِ وثورتهِ، وفصَّلوا في أسبابِها وأحداثِها ومُجْرَياتِها ووقائِعِها.

وما ذَكَروهُ مِنْ حالِ عبدالرَّحمنِ وطِباعِهِ لا يُحتَمَلُ بِمثْلِهِ أن يُودِعَ ثورَتَهُ في أحدٍ مِنَ العَلَويِّين، وأن يُقدِمَ على مُبايَعَتِهِ والدَّعوَةِ لهُ، يضُافُ إليه أيضًا أنَّ الرَّجُلَ ابن محمَّد ابن الأشعث، وهو مَنْ دَلَّ أباهُ على مُسْلِمِ بن عقيل، وأبوهُ مَنْ قادَ عسكَرَ ابن زيادٍ لقِتالِهِ ومِنْ ثُمَّ سَلَّمَهُ لابن زيادٍ، ثُمَّ شَرَكَ في دَمِ الحسين (عليه السَّلام)، وجَدَّهُ الأشعثُ كانَ مِنْ أشدِّ المـُنحَرفينَ عن عليٍّ (عليه السَّلام) ومِمَّنَ شَرَكَ في دَمِهِ، وعمُّهُ قَيْسُ بن الأشعث ممَّن شَرَكَ في دَمِ الحسين (عليه السَّلام)، وعمَّتُهُ جَعدَةُ كانت زوجَةَ الحسنِ (عليه السَّلام) وهي الَّتي سَقَتْهُ السُّمَّ فقَتَلَتهُ، وكانَ عبدالرَّحمنِ ممَّن قاتَلَ المُختارَ الثَّقَفِيَّ إلى جانِبِ مُصعب بن الزُّبَير، فأينَ هذا مِنْ الحسنِ المـُثنَّى، وأينَ الحسنُ مِنْهُ ومِنْ أخبارِهِ ووقائِعهِ، فالرَّجُلُ أبعَدُ ما يَكونُ عن العلويِّين، ولو كانَ يُريدُ أن يَضَعَ هذا الأمرَ في بني هاشِمٍ لكانَ فعَل، فإنَّ عبدَالرَّحمنِ بن العبَّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمُطَّلِب الهاشميّ كانَ مِنْ قادَتِهِ، وممَّنْ أبلَى معهُ بلاءً حَسَنًا، ولمـَّا مَضَى عبدالرَّحمن ابن الأشعث مِنَ البَصْرَةِ إلى الكُوفة وَثَبَ البَّصريُّونَ إلى عبدالرَّحمن بن العبَّاس الهاشميّ فبايَعُوهُ أميرًا عليهِم، فقاتَلَ بِهِم خمسَ ليالٍ أشدَّ القِتال، ثُمَّ لَحِقَ بابن الأشعث إلى الكُوفة، فلو أنَّ الأخيرَ أرادَ أن يَجعَلَ الأمرَ في أحدٍ مِنْ قُرَيشٍ أو بني هاشمٍ لَوضَعَها في يَدِ عبدالرَّحمن الهاشميّ، على أنَّ المُؤرِّخينَ لَمْ يَغفَلوا عن اسمِ هذا الأخير وأخبارِهِ في هذه الثَّورة، فلو كانَ للحسنِ المـُثنَّى أثَرٌ فيها لما أغفَلوهُ، وأنَّى لمِثْلِ هذا أن يُغفَلَ عنهُ أو يُترَكَ ذِكْرُهُ؟!.

ثُمَّ لا تَغفَلْ عن ما تَقدَّم إيرادُهُ مِنْ قَولِ ابن الأشعث في دَيرِ الجَماجِمِ وبعدَ أن أعادَ العراقيُّونَ خَلْعَ عبدالملك، فقامَ فيهم خاطِبًا، فقال: «فإن يكُن هذا الأمرُ في قُرَيشٍ فعَنِّي فُقِئَتْ بَيْضَةُ قُرَيشٍ، وإن يكُن في العَرَبِ فأنا ابنُ الأشعث»، ومدَّ بها صَوتَهُ يُسْمِعِ النَّاس.

وأمَّا الأسماءُ الَّتي ذَكَرَ السَّيِّد أبو العبَّاس ــ فيما تقدَّم نَقلهُ عنهُ ــ أنَّها وَفَدَتْ على الحسن بكُتُبِ العراقيِّين تُبايعهُ؛ فإنَّ فيهم مَنْ لا ذِكْرَ لهُ ولا أثَر في ثورة ابن الأشعث، بل فيهِم مَنْ اشتُهِرَ اعتزَالُهُ عنها مُنذُ بدايَتها، نَعَم، عبدالرَّحمن بن أبي ليلى الفقيهُ، وأبو البَخْتَريّ الطَّائيّ مولاهُم؛ خَرَجا وقُتِلا في الحَرب، وكذلكَ خَرَجَ الشَّعبِيُّ ــ وهو عامِرٌ الفقيهُ الكُوفيُّ المعروف ــ ثُمَّ عَفا الحجَّاجُ عنهُ بعدَ أن اعتَذَرَ وأظهَرَ النَّدامَة على خُروجِهِ.

وأمَّا أبو وائِلٍ شَقيق ــ وهو شَقيقُ بن سَلَمَة الأسَدِيّ الكُوفِيّ ــ، وعاصمُ بن ضَمْرَة السَّلُولِيُّ، فلَمْ يُذْكَرا فيمَنْ خَرَجَ على الحجَّاج، وليسَ لهُما أيُّ خَبَرٍ أو أثَرٍ في أخبارِ ابن الأشعث وثورتِه.

وأمَّا محمَّد بن سيرين؛ فلَمْ يَخْرُج، وهذا مِنَ الأمُورِ المَشهورَةِ، حتَّى أنَّ الحافِظَ العِجْليَّ قال فِي معرفة الثُّقات 2/282: «لَمْ يَنْجُ مِنْ فتنَةِ ابن الأشعث بالبصرَةِ إلاَّ رَجُلانِ: محمَّد بن سِيرين، ومُطَرِّفُ بن عبدالله بن الشِّخِّير».

وأمَّا عبدالرَّحمن بن الشِّخِّير؛ فلا يُعرَفُ اسمٌ كهذا، وقد ذَكَرَ الإمام عبدالله بن حمزة الزَّيديُّ (تـ614هـ) في الشَّافي محلَّهُ: عبدالله بن الشِّخِّير، وهذا الاسمُ صحيح، ولا أدري هل غلطَ فيه أبو العبَّاس وصوَّبهُ صاحبُ الشَّافي، أم أنَّ تصحيفًا نالَ نُسخَةَ المـَصابيح، أم أنَّ صاحِبَ المَصابيح وَهِمَ في اسمِ الرَّجُل؟ أيًّا يَكُن؛ فإن كانَ عبدالرَّحمن؛ فلا يُعرَفُ اسمٌ كهذا، فهو مجهول، وإن كانَ عبدالله؛ فهو عبدالله بن الشِّخِّير العامِريُّ الحَرَشِيُّ، وكانَ صحابيًّا رَوَى عن النَّبِيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ولا يُظَنُّ أنَّهُ أدرَكَ ثورة ابنِ الأشعث، بل مِنَ البَعيدِ جدًّا أن يَكونَ قد أدركها، والَّذي يُذْكَرُ فيها فهو وَلَدُهُ مُطَرِّفُ الفقيه، وحالُهُ معلومَةٌ في كونِهِ لَمْ يَخْرُجْ على الحجَّاج، وقد تقدَّمَ ما قالهُ الحافِظُ العِجْليُّ عندَ الكلامِ على ابنِ سِيرين.

وأمَّا الحسنُ البَصريُّ؛ فلَمْ يَخْرُجْ مع ابنِ الأشعث، وكانَ يَنهَى عن الخُروجِ على الحجَّاج، وقيل: أُكْرِهَ على الخُروجِ، فلمَّا غَفِلوا عنهُ هَرَبَ واعتَزَل. فأينَ هذا مِنْ أن يأتي المدينة ويكونَ رأسًا في بيعةِ الحسنِ المـُثنَّى؟!.

وأمَّا حارِثَةُ بن مُضَرَّبٍ؛ فهو كُوفِيٌّ وليسَ بَصْرِيًا، وكانَ ممَّنْ أدرَكَ النَّبِيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فيما قِيل، ولا يُظَنُّ بأنَّهُ أدرَكَ ثورة ابن الأشعث، وبالجُملَةِ فلا ذِكْرَ ولا خَبَرَ لهُ في ثورتهِ.

وأمَّا حَرِيشُ بن قُدامَة؛ وهو أبو قُدامَةَ الضُّبَعِيّ؛ ذَكَرَهُ البُخاريُّ في التَّاريخ الكبير 3/114، ولَمْ أجد مَنْ ذَكَرَهُ في أخبارِ ابنِ الأشعث وثورتِهِ، ووَجدتُ مَنْ اسمُهُ قُدامَةُ بن الحَريش التَّميميّ، كانَ مع ابنِ الأشعث في دَيرِ الجَماجِم، ذَكَرَهُ الطَّبريُّ في تاريخِهِ 6/361 عن الواقديّ في خَبَرِ اقتِتالِهِ مع سعيدٍ الحَرَشيّ، ووصَفَهُ بأنَّهُ: «رَجُلٍ مِنْ أهلِ العِراق»، ممَّا يَدلُّ على كَونِهِ مَجهُولاً.

وهناكَ مَنْ اسمُهُ قُدامَةُ بن الحَريشِ الكُوفيّ، عدَّهُ الشَّيخُ الطُّوسيُّ في رجالِهِ مِنْ أصحابِ أبي عبدالله (عليه السَّلام)، ومِنَ البعيدِ أن يكونَ مُتَّحِدًا مع قُدامَةَ بن الحَريشِ التَّميميّ الَّذي ذكَرَهُ الطَّبريُّ في حَربِ دَيرِ الجَماجِم، وأن يكونَ أدرَكَ إمامَةَ أبي عبدالله (عليه السَّلام)، إضافَةً إلى كونِ بني تميم مِنْ أهل البصرة لا مِنْ أهلِ الكُوفة كما لا يَخفى، ويُحتَمَلُ أن يَكونَ هذا التَّميميُّ هو المـَعنيّ بكلامِ أبي العبَّاس في المـَصابيح؛ باعتبارِ أنَّهُ تميميٌّ ومِنْ ثَمَّ فهو بَصْرِيٌّ، وإن صَحَّ هذا فيكونُ السَّيِّد أبو العبَّاس قد وَهِمَ في اسمِهِ، وخَلَطَ بينَهُ وبينَ حَريشِ بن قُدامَةَ الضُّبَعِيّ، على أنَّ هذا إن صحَّ لا يَرفَعُ الجَهالَةَ عنهُ حتَّى يُعَدَّ في أعيان البَصريِّين الوافدينَ على الحسن المـُثنَّى، ويُقْرَنَ مع فُقهائِها المَذكورين، فتأمَّل.

وأمَّا ما حكاهُ مِنْ أنَّ حمزة بن المغيرة بن شُعْبَةَ، وقُدامَة الضَّبِّيَّ، وابنَ مَصْقَلَة الشَّيبانيّ، في جماعَةٍ مِنَ الفُقهاء والقُرَّاء، سألوا ابنَ الأشعث أن يُظهِرَ اسمَ الرَّجُلِ الَّذي دَعا إليه وعَقَدَ لهُ البَيعَةَ ــ يعني الحسن المـُثنَّى ــ فأظهَرَ ابنُ الأشعث اسمَهُ وخَطَبَ لهُ في أوَّلِ جمعةٍ ثُمَّ أسقَطَ اسمَهُ في الجمعةِ الثَّانية، ففيه مِنَ الغَرابَةِ ما لا يَقلُّ عمَّا سَبَقَهُ، فقد تقدَّمَ مِنْ كلامِهِ أنَّ عُلماءَ الكُوفة والبَصرةِ كانوا هُم مَنْ أشارَ على ابنِ الأشعث أن يَضَعَ هذا الأمرَ في رجلٍ مِنْ قُرَيشٍ، وأنَّهُم راسلوا عليَّ بن الحسينِ زينَ العابدين (عليه السَّلام) والحسن المـُثنَّى، فامتَنَعَ الأوَّلُ وقَبِلَ الثَّاني بعدَ أن استوثَقهُم، فوَرَدتْ عليهِ كُتُبُهُم وبَيْعَتُهم، وانتَخَبوا عنهُم وَفدًا مِنْ عُلمائِهم وفُقهائِهم، فوفدوا على الحسن المـُثنَّى فبايَعوهُ وسمُّوهُ «الرِّضا»، فكيفَ بعدَ هذا يَخفَى عليهِم اسمُهُ حتَّى يسألوا ابنَ الأشعث أن يُظهِرَهُ وقد رَضُوهُ وبايَعوهُ على حَدِّ قولِ أبي العبَّاس؟! فإن قِيلَ: إنَّ البيعَةَ كانت سِرِّيَّةً ولا يَعرِفُ باسمِ المُبايَعِ لهُ إلاَّ ابنُ الأشعث كما يُفهَمُ مِنْ سؤالهم لهُ في إظهارِ اسمِهِ، فهذا يُناقِضُ ما قالَهُ مِنْ أنَّ الفُقهاءَ والقُرَّاءَ هُم مَنْ أشارَ على ابنِ الأشعث في أن يَضَعَ الأمرَ في رَجُلٍ مِنْ قُريشٍ بعدَ أن هَمَّ بأن يَدعو إلى نَفْسِهِ، وأنَّهُم مَنْ راسَلَ الحسنَ المـُثنَّى وكاتَبَهُ وبايَعه، وأنَّ الحسنَ لَمْ يَقبَل مِنْهُم حتَّى وردَ عليهِ كِتابُ ابن الأشعث هو والَّذين معهُ بالبَيعَةِ والأيمانِ المُغلَّظَة، كما تقدَّمَ ذِكْرُهُ عنهُ، فتأمَّل.

وأمَّا حمزة بن المـُغيرة؛ فقِيلَ إنَّهُ ماتَ في حبسِ هَمذان، بعد أن عَزَلَهُ الحجَّاجُ عنها لمـَّا خَرَجَ أخوهُ مُطَرِّفُ بن المـُغيرة عليه، وقِيلَ: إنَّهُ كانَ في الكُوفة حينما دَخَلها مَطَرُ بن ناجية الرِّياحيّ، وكانَ الأخيرُ قد بَلَغَهُ هزيمَةُ ابن الأشعث في وَقعَةِ الزَّاويَةِ إلى جانِبِ البَصرة، وفِقدان خَبَرِه، وأنَّ أهل البَصرة وَثَبَتْ إلى عبدالرَّحمن بن العبَّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمـُطَّلِب فبايَعتهُ، فطَلَبَ إليهم مَطر أن يُبايعوا عبدالرَّحمن ابن العبَّاس، وقال لهم: «قُوموا فبايعوا لهُ، فإنَّهُ رجُلٌ مِنْ قُريشٍ ثُمَّ مِنْ بني هاشِمٍ مِنْ أهلِ بيتِ نبيِّكُم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)»، فبايَعَ جماعَةٌ كانَ منهم حمزةُ بن المـُغيرة بن شُعبَة، وأبى آخرون وقالوا: نحنُ على بيعَتِنا الأولى، يعني بيعة ابنِ الأشعث، وكانَ هذا قَبْلَ دَيرِ الجَماجِم، ثُمَّ انقَطَع خَبَرُ حمزة بن المـُغيرة بعد ذلك، فعلى القَولِ الأوَّل؛ يَخرُجُ حمزةُ مِنْ ثورة ابن الأشعث، وعلى القَولِ الثَّاني؛ تكونُ بيعَتُهُ لشخصِ ابنِ الأشعَث لذاتِهِ، ثُمَّ بايَعَ عبدالرَّحمن الهاشميّ الحارثيّ لشخصِهِ أيضًا كونهُ مِنْ قُريشٍ ثُمَّ مِنْ بني هاشمٍ مِنْ أهلِ بيتِ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فتأمَّل.

وأمَّا قُدامَةُ الضَّبِّيُّ؛ وهو قُدامَةُ بن حَماطَةَ الضَّبِّيُّ الْكُوفيُّ، فلَمْ أقف على ذِكرٍ لهُ في أخبارِ ثورة ابنِ الأشعث، وكان ممَّن وَفَدَ على عمر بن عبدالعزيز في أيَّامِهِ.

وأمَّا ابن مَصْقَلَةَ الشَّيبانيّ؛ فهو بِسطامُ بن مَصْقَلَة، وكانَ في الرَّيّ، وإنَّما لحِقَ بابنِ الأشعث بدَيرِ الجَماجِم، فلَمْ يَكُن في الكُوفة حينما كانَ فيها ابن الأشعث، فتأمَّل.

وأمَّا قولُهُ إنَّ عبدالله بن العبَّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمـُطَّلِب كان على خيلِ ابنِ الأشعث داعيةً للحسنِ المـُثنَّى، فالصَّحيحُ في اسمهِ عبدُالرَّحمن لا عبدَالله.

وأمَّا أنَّهُ كانَ داعيَةً للحسنِ المـُثنَّى؛ فهو مِنْ الغَرابَةِ بمكان، فكيفَ يكونُ داعيَةً للحسنِ وهو على خيلِ ابنِ الأشعَثِ وتَحتَ إمرَته؟! وقد عَرَفتَ أنَّ ابنَ الأشعث كانَ يَرَى الأمرَ في نَفْسِهِ، وعَرفتَ أيضًا أنَّ جَمعًا مِنَ الكُوفيِّين كانوا قد بايَعوا لعبدالرَّحمن الهاشميّ حينَ فُقِدَ خَبَرُ ابنِ الأشعث، وقَبْلَهُم بايَعَهُ أهلُ البَصرة حينَ هَربَ ابنُ الأشعث، وعرفتَ أيضًا أنَّ المُؤرِّخينَ لَمْ يُغْفِلُوا أخبارَ عبدالرَّحمن الهاشميّ في ثورة ابنِ الأشعث، ولَمْ أقفْ على قولٍ لأحدِهِم يَذكُرُ فيه أنَّ الهاشميَّ كانَ داعيَةً للحسنِ المـُثنَّى، بل لقد عَرَفتَ أنَّ الحسنَ المـُثنَّى لا أثرَ لهُ ولا ذِكْرَ ولا خَبَرَ في ثورة ابنِ الأشعثِ وأخبارِها وأحداثِها وفُصولِها ومُجرياتِها، وبذلكَ يَنتَفي ما رَواهُ السَّيِّد أبو العبَّاسِ مِنْ أنَّ عبدالرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث الكِندِيّ هو ومَنْ معهُ مِنْ أهلِ العِراقِ كانوا قد دَعوا إلى الحسنِ المـُثنَّى وكَتَبوا لهُ بالبَيعَةِ وسَمُّوهُ «الرِّضا».

وممَّا يُقَويِّ ما نَفيناهُ مِنْ دَعوَةِ ابن الأشعث للحسنِ المـُثنَّى ومبايَعَتِهِ؛ قَولُ الشَّيخِ أبي عبدالله المـُفيد في الإرشاد: «ومَضَى الحسنُ بن الحسنِ ولَمْ يَدَّعِ الإمامَة، ولا ادَّعاها لهُ مُدَّعٍ، كما وصَفناهُ مِنْ حالِ أخيهِ زيدٍ رحمةُ اللهِ عليهِما».

هذا؛ ولَمْ أقفْ على أحدٍ سَبَقَ السَّيِّد أبا العبَّاس الحَسَنيَّ إلى القَولِ بأنَّ ابنَ الأشعَثِ كانَ داعِيَةً إلى الحسنِ المـُثنَّى، وأنَّ أهلَ العراقِ وعُلماءَهُ وفُقهاءَهُ وقُرَّاءَهُ ممَّنَ خرَجَ على الحجَّاجِ وعبدالملك، كانوا قد بايَعوا الحسنَ المـُثنَّى، اللَّهُم إلاَّ ما جاءَ في رسالَةِ يحيى صاحب الدَّيلَم إلى هارون العبَّاسيّ، المذكورَةِ في الكتاب المـُسمَّى «أخبار فخٍّ وخَبَرُ يحيى بن عبدالله وأخيه إدريس بن عبدالله» لمؤلِّفه أحمد بن سهلٍ الرَّازيّ، إلاَّ أنَّ هذا الكتاب لا يُطمأنُّ إليه، ولا يُمكِنُ الوثوقُ بصحَّتهِ ولا بما جاء فيه، فضلاً عن جهالةِ مؤلِّفهِ، والكتاب برمَّتهِ لا تخلو مضامينهُ مِنَ الغرابة، فضلاً عن الرِّسالة المذكورة، ومَنْ وَقَفَ على الكتاب وتمعَّنَ في مواردهِ مع ملاحَظَةِ مُقدِّمةِ المـُحقِّق يُدركُ جيِّدًا ما حكيناه.

وعليه فإنَّ أقدَمَ مَنْ وَقَفتُ عليه ممَّن نَقَلَ ما حُكِيَ في المصابيح في مسألة ابن الأشعثِ بعد عَصْرِ السَّيِّد أبي العبَّاس هو الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الحَسَنِيّ الزَّيديّ اليَمنيّ المـُتوفَّى سنة أربعَ عشرةَ وستِّمِائَةٍ في كتابهِ «الشَّافي»، ثُمَّ بَعدَهُ القاضي أبو الحسن حُسامُ الدِّين حُمَيد بن أحمد المـُحْلِيّ الوادعيّ الصَّنعانيّ المـُتوفَّى سنة اثنَتين وخمسين وستِّمِائَةٍ، في كِتابهِ «الحدائق الورديَّة في مَناقِبِ أئمَّة الزَّيديَّة»، ثُمَّ بَعدَهُ الإمام المـُهْدِيُّ لدين اللهِ أحمد بن يحيى بن المـُرتضى الحسنيّ الزَّيديّ اليَمنيّ المـُتوفَّى سنة أربعين وثَمانمِائَةٍ، في كتابهِ «البحر الزَّخَّار»، ثُمَّ بَعدهُ الفقيهُ محمَّد بن عليٍّ الزُّحَيف الصَّعْدِيّ المعروفُ بابن فَنْدٍ المـُتوفَّى بعد سنة ستَّ عشرةَ وتِسعمِائَةٍ، في كِتابهِ «مَآثِر الأبرار»، ثُمَّ مَنْ تأخَّرَ عنهُم مِنْ عُلماء الزَّيديَّةِ، وجميعُهم ناقِلونَ عن السَّيِّد أبي العبَّاسِ الحَسَنِيّ، وإن لَمْ يُصرِّح بَعضُهم، وبناءً على ما رواهُ السَّيِّد أبو العبَّاس عَدَّ مُتأخِّرو الزَّيديَّةُ الحسنَ المـُثنَّى في أئمَّتِهم.

وكانَ قد تَقدَّمَ حينَ نقلنا نصَّ ابنِ عِنَبَةَ عن كِتابهِ العُمدَةِ الوسطى الجلاليَّة مِنْ أنَّ كلامَهُ أشبَهُ بكلامِ السَّيِّد أبي العبَّاس في المـَصابيح، فليسَ مِنَ البَعيدِ مُطلقًا أن يَكونَ ابنُ عِنَبَةَ ناقَلاً كلامَهُ عن المـَصابيح، أو عمَّن نَقَلَ عنهُ، واللهُ أعلَم.

وكما تَرَى، فإنَّ أقدَمَ مَنْ نقَلَ الخَبَرَ بعدَ السَّيِّد أبي العبَّاس هو الإمام عبدالله بن حمزة، وقد تقدَّم أنَّ وفاتَهُ كانت سنة أربع عشرة وستِّمِائَةٍ، فبين وفاتِهِ ووفاةِ السَّيِّد أبي العبَّاس إحدى وستُّون ومِائَتان مِنَ السِّنين، ولَمْ أقفْ على أحدٍ نَقَلَ هذا الخَبَرَ خلالَ هذهِ المـُدَّة.

وممَّا يَدعو إلى الغَرابَةِ أنَّ السَّيِّد الإمامَ النَّاطِقَ بالحَقِّ أبا طالبٍ يحيى بن الحسين الحَسَنِيّ الهارونيّ المـُتوفَّى سنةَ أربعٍ وعشرين وأربعمِائَةٍ، وهو مِنْ تلاميذِ السَّيِّد أبي العبَّاس، وقد أكثرَ مِنَ الرِّوايَةِ عنهُ، لَمْ يَذْكُر في كِتابهِ «الإفادة في تاريخِ الأئمَّةِ السَّادة» شيئًا ممَّا حَكاهُ السَّيِّد أبو العبَّاس في الحسنِ المـُثنَّى، ولا عَدَّهُ مِنَ الأئمَّة، بل الأعجبُ أنَّهُ ذَكَرَهُ استطرادًا حينما عَدَّ أولادَ الإمام الحسن السِّبطِ المـُجتَبَى (عليه السَّلام)، واكتَفَى مِنْ ترجمَتِهِ بقولِهِ: «الحسنُ بن الحسنِ، وهو الحسنُ الثَّاني، وأُمُّهُ خَولَة بنت مَنْظُور بن زَبَّان الفَزاريّ، وكان وَصِيَّ أبيهِ ووالي صَدَقَتِهِ».

وكما تَرَى فليسَ في هذا الكلامِ ما يُشيرُ إلى أنَّ الحسنَ المـُثنَّى كانَ إمامًا، ومِثْلُ هذا الكلامِ لا يُقالُ في رجُلٍ عُقِدَتْ لَهُ بيعَةٌ وقامَتْ تحت اسمِها ثورةٌ كادَتْ أن تُزيلَ سلطانَ بني أُميَّةَ مِنْ الوُجُود، معَ العِلْمِ أنَّ كتابَ الإفادَةِ ــ وكما هو واضِحٌ مِنْ عِنوانهِ ــ هو في تراجِمِ أئمَّةِ الزَّيديَّةِ وطبقاتِهم وأخبارِهم، رَتَّبَهُ مُصَنِّفُهُ على وفقِ اعتقادِ الزَّيديَّةِ في ترتيبِ الأئمَّةِ مِنْ أهل البيت وطَبقاتِهم، وترتيبُ فُصولِهِ يُشابِهُ ترتيبَ السَّيِّد أبي العبَّاس لكتابهِ المـَصابيح، إلاَّ أنَّ السَّيِّد أبا طالبٍ انتَقَلَ رأسًا بعدَ الإمامِ الحسين (عليه السَّلام) إلى زيد ابن عليٍّ (عليهما السَّلام)، بخلافِ السَّيِّد أبي العبَّاس الَّذي جعَلَ الحسنَ المـُثنَّى إمامًا بينَ الحسين (عليه السَّلام) وبينَ زيد بن عليٍّ (عليهما السَّلام)، وعَقَدَ ترجمةً لهُ ذَكَرَ فيها أخبارَهُ وبيعَتَهُ مِمَّا تقدَّمَ ذِكْرُهُ والكلامُ عليه، مِمَّا يَدلُّ على عدَمِ اعتقادِ السَّيِّد أبي طالبٍ بأنَّ الحسنَ المـُثنَّى كانَ إمامًا، وهذا مِنَ الغرابَةِ بمكان ومِمَّا يُورثُ الشَّكَّ بحدوثِ عبَثٍ في كِتابِ المـَصابيح، وكأنَّ ما حُكِيَ مِنْ دَعوةِ ابنِ الأشعث وبيعَتِهِ للحسنِ المـُثنَّى ليسَ مِنْ كلامِ السَّيِّد أبي العبَّاس، وإنَّما أُحدِثَ وزِيدَ على الكِتابِ بعدَ عَصْرِهِ بل عَصْرِ السَّيِّد أبي طالبٍ الهارونيّ، ومِمَّا يُقوِّيهِ أنَّ السَّيِّد الأجلَّ رضيَّ الدِّين أبا القاسمِ عليَّ ابن طاوس الحَسَنِيّ كانَ قد نَقَلَ في مُصنَّفاتِهِ عن كِتابِ المـَصابيحِ لأبي العبَّاس مِمَّا لا يُوجَدُ اليَومَ في كِتابِهِ، فتأمَّل.

ومِمَّا يُقوِّي أيضًا ما حكيناهُ أنَّ السَّيِّد الإمام مَانْگْدِيْم أحمد الحُسَينيّ (تـ421هـ) ــ وهو الَّذي صَلَّى على المـُؤيَّد بالله الهارونيّ وقامَ بالأمر بعدَهُ (انظر ترجمة السَّيِّد المـُؤيَّد بالله وأخيه السَّيِّد أبي طالب يحيى مِنْ كتاب المـُختَصَر للسَّيِّد ابن الطَّقْطَقِيِّ بتحقيقنا صـ341 ــ 344، وانظر ما حكيناه في الحاشية)، وظاهِرًا مِمَّن أدرَكَ السَّيِّد أبا العبَّاس الحَسَنِيّ ــ حينما أتَى على بيانِ مُعتَقَدَ الزَّيديَّة في تعيينِ الإمام لَمْ يَعدَّ الحسن المـُثنَّى في أئمَّة الزَّيديَّة، فقد قال في الفصل الخامس مِنْ شرح الأصول الخمسة صـ757، في تعيين الإمام، ما نَصُّهُ: «اعلَمْ أنَّ مَذهَبنا، أنَّ الإمام بعد النَّبيِّ صلَّى الله عليه: عليُّ بن أبي طالب، ثُمَّ الحسن، ثُمَّ الحسين، ثُمَّ زيد بن عليٍّ، ثُمَّ مَنْ سارَ بسيرَتِهِم».

فكما تَرَى ليسَ للحسن المـُثنَّى ذِكْرٌ في أئمَّة الزَّيديَّة، ومِنَ البعيد أن يَغفَلَ مِثْلُهُ عن مسألة كهذهِ وهو يُقرِّرُ مُعتقدَ الزَّيديَّة في تعيين الإمام، فلاحِظ وتأمَّل.

وبَعدَ أن عَرَفْتَ هذا، وعَرَفْتَ أنَّ الحسنَ المـُثنَّى تُوفِّيَ على الصَّحيحِ في أيَّامِ الوليدِ ابن عبدالملك، وعَرَفْتَ أنَّ جمعًا مِنَ أعاظِمِ العُلماءِ الأعلام وأساطينِ النَّسَّابين الأجلاَّء قد نصُّوا على أنَّ الحسنَ المـُثنَّى عاشَ خمسًا وثلاثينَ سنةً، وأنَّ هذا لا يَتَمَشَّى مع كونِهِ توفِّيَ في أيَّامِ الوليد بن عبدالملك، ولا يَتَمَشَّى مع خَبَرِهِ مع الحجَّاج، وقد فَطِنَ إلى ذَلِكَ بعضُ عُلمائِنا المـُتأخِّرين، في صدارَتِهم العلاَّمَةُ الأديبُ المـُؤرِّخ الميرزا محمَّد عليّ اللَّكهَنويّ الكشميريّ (1260 ــ 1309هـ)، في تعليقتِهِ على العُمدَة الوسطى الجلاليَّة، وكانت قد طُبعَتْ قديمًا لأوَّلِ مَرَّةٍ في المـَطبَعِ الجَعفريَّ في مدينة لكهنو في الهِند بأمرِهِ (رحمه الله)، ثُمَّ أعادَ المـَرحوم الشَّيخ عليّ المحلاَّتي الحائريّ طباعَة الكِتاب بتعليقاتِ الميرزا محمَّد علي في مطبعَتِهِ في بومباي بالهِند في ربيعٍ الثَّاني سنة (1318هـ)، فقال حيال ما كَتَبَهُ ابنُ عِنَبَة في خَبَرِ وفاةِ الحسنِ المـُثنَّى: «أظنُّ الصَّحيح سليمان بن عبدالملك مَكانَ الوليد بن عبدالملك؛ لأنَّهُ تُوفِّي في زَمَنِهِ سنةَ سبعٍ وتسعين، وقَولُهُ [يعني السَّيِّد ابن عِنَبَة]: وعُمْرُهُ إذ ذاكَ خمسٌ وثلاثون سنة، فيه تقديمٌ وتأخير، بل يَنبَغي أن يكونَ ثلاثًا وخمسين، فإنَّهُ ماتَ بعدَ والِدهِ بثمانٍ وأربعينَ سنةً».

ثُمَّ إنَّ السَّيِّد أبا عبدالله جعفر بن محمَّد الحُسينيَّ العُبَيْدَلِّيَّ الأعرجيَّ البغداديَّ النَّسَّابة (رحمه الله) (تـ1332هـ) وَقَفَ على إحدَى هاتَينِ الطَّبعتين، فاستفادَ مِنْ حَواشيها، وأدخَلَ بعضَها في مُصنَّفاتِه، كما هو بَيِّنٌ لِمَنْ تأمَّلَ فيها، وكان قد ذَكَرَ في المـُجلَّد الثَّاني مِنْ كِتابهِ مَناهِل الضَّرَب أنَّ الحسن تُوفِّي مسمومًا بالمدينة سنةَ تسعين، وعُمْرُهُ إذ ذاكَ ثلاثٌ وخمسونَ سنةً، وتردَّدَ في مَنْ سقاهُ السُّمّ بين الوليد بن عبدالملك وأخيه سُليمان.

وكما تَرَى فقد أخذَ بمَبلَغِ عُمْرِهِ الَّذي في تعليقةِ العُمدَة، وهو ثلاثٌ وخمسون، واعتَبَرَ أنَّ زواجَ الحسنِ (عليه السَّلام) مِنْ خَولَةَ كان بعدَ حَربِ الجَمَل الَّتي كانت سنةَ ستٍّ وثلاثين، فكانت ولادَةُ الحسنِ المـُثنَّى في سنةِ سَبعٍ وثلاثين، أي في السَّنَةِ الَّتي كانت فيها حَربُ صِفِّين، وبناءً على مبلَغِ عُمْرِهِ وهو ثلاثٌ وخمسون تكونُ وفاتُهُ سنةَ تِسعين، وهذا مِنَ الغرابَةِ بمكان، إذ كيفَ يأخذُ بمبلغِ عُمْرِهِ وهو مُستَخْرَجٌ على كونِ الحسنِ قد تُوفِّي سنةَ سبعٍ وتسعين، ويَطرحُ ما سِواه؟!! إذ كان عليه إمَّا أن يأخذَ بكامِل التَّعليقَةِ وإمَّا أن يَطرَحَها برُمَّتِها، فالأصلُ فيها مَبنيٌّ على تاريخِ الوفاة وهو سنةُ سبعٍ وتسعين، فطَرَحَ مِنْهُ ــ صاحب التَّعليقة ــ تاريخَ وفاةِ الإمام الحسن (عليه السَّلام) وهو سنةُ تسعٍ وأربعين، واستخرجَ أنَّ الحسنَ المـُثنَّى عاشَ بعد أبيهِ ثمانيةً وأربعين سنةً، وعليه فيكونُ تاريخ ولادتهِ في سنةِ أربعٍ وأربعين، إذن فالأصلُ في ذلكَ جميعًا هو تاريخُ الوفاة، أي سنةَ سبعٍ وتسعين، وهو قَولُ الذَّهبيّ كما تقدَّم، وعليهِ فإنَّ كلامَ السَّيِّد جعفر الأعرجيّ لا طائِلَ مِنْهُ.

ثُمَّ إنَّ العلاَّمَة المـُحقِّق السَّيِّد محمَّد الصَّادق آل بحر العلومِ الطَّباطبائي (رحمه الله)، استفادَ أيضًا مِنْ هذه التَّعليقَة، وأعادَ صِياغَتَها في تعليقهِ على العُمدةِ الوسطى الجلاليَّة، الطَّبعة النَّجفيَّة، وتابَعَهُ على ذلكَ جَمعٌ مِنَ المـُعاصِرين فاعتمَدَ قَولَهُ، والأصلُ فيه ما استَخرَجَهُ الشَّيخ اللَّكهنويّ كما عَرَفتَ، وكان قد بناهُ على التَّاريخِ الَّذي ذَكَرَهُ الذَّهبيُّ في تاريخه، وقد تقدَّمَ بطلانُ قَولِ الذَّهبيّ، وأمَّا احتمالُ التَّقديمِ والتَّأخيرِ في عِبارَةِ «خمسٍ وثلاثين» فلا يُمكِنُ الرُّكونُ إليهِ مُطلقًا، فقد أوردَها جمعٌ مِنَ المـُتَقدِّمين، ولا يُحتَمَلُ أبدًا أنَّ تقديمًا وتأخيرًا أو تَصحِيفًا نالَها أثناءَ إنشائِها عِندَ كُلِّ واحِدٍ مِمَّنْ أوردَها مِنْ هؤلاءِ الأعلام، ولا يَخفَى أنَّ المـُتقدِّمين لَمْ يَألَفوا تَدوينَ الأعداد والسَّنوات أرقامًا بل كِتابَةً، فاحتمال اشتباهِ هذا الجَمعِ مِنَ المـُتقدِّمينَ بعيدٌ جدًّا، ولا يُمكنُ التَّصديقُ به، ويَغلبُ على الظَّنِّ أنَّ صاحِبَ تعليقَةِ العُمدة احتمَلَ التَّقديمَ والتأخيرَ في العِبارَةِ ظنًّا مِنْهُ أنَّها وَرَدَتْ في العُمدَةِ فقط، واللهُ أعلم.

هذا، وقد عَرَفْتَ أنَّ الحسنَ المـُثنَّى كانَ قد وُلِدَ سَنَةَ أربعين كما بَيَّناهُ فيما تَقَدَّم، وأنَّهُ كانَ يَومَ الطَّفِّ في العِشرينَ مِنْ عُمْرِهِ (انظر تحقيقنا في هذه المسألة في حاشية الصَّفحات: 238، 239، 240 مِنْ كتاب المـُختصَر لابن الطَّقْطَقِيّ)، وكانَ قد تَقدَّمَ عن ابنِ الجوزيّ أنَّ الحسنَ المـُثنَّى قد تُوفِّيَ في سنةِ إحدى وتسعين، فعليه يكون الحسن قد عاشَ إحدى وخمسينَ سنةً، وهذا يُخالِفُ ما تقدَّمَ عن ابنِ حَجَرٍ مِنْ أنَّ الحسنَ عاشَ بِضعًا وخمسينَ سنةً، ولا يَخفى أنَّ «البِضْعَ» أقلُّهُ ثلاثةٌ وأكثرهُ تسعةٌ، فأن يكونَ الحسنُ عاشَ إحدى وخمسينَ سَنَةً يَخرُجُ عن قَولِ ابنِ حَجَرٍ، فإذا أضفنا أكثرَ «البِضْع» وهو تسعةٌ، فتكونُ وفاةُ الحسنِ سنةَ تِسعٍ وتِسعين، وهو القَولُ الَّذي قَدَّمَهُ الذَّهبيُّ في سِيَرهِ، ويَكونُ بذلكَ مُوافِقًا لهُ، وعليه فوفاتُهُ في السَّنَةِ الَّتي تُوفِّيَ فيها سليمان بن عبدالملك، إلاَّ أنَّهُ يَخرجُ عن كونِ الحسنِ قد تُوفِّيَ في أيَّامِ الوليد، وقد تقدَّمَ أنَّ الصَّحيحَ المشهور في وفاتِهِ أنَّها كانت في أيَّامِ الوليد.

ولمـَّا كانت النُّصًوصُ الوارِدَةُ عن المـُتقدِّمين تَذْكُرُ أنَّ الحسنَ عاشَ خمسًا وثلاثينَ سنةً؛ وفيها رِوايَةٌ عن موسى الجون، فإنَّ مِثْلَ هذا لا يُمكِنُ تجاوزهُ مُطلقًا، فإن تأمَّلنا فيه جيِّدًا لوجدناهُ صحيحًا لا خَلَلَ في مَنشَئِهِ بل الخَلَلُ وقعَ في تَوجيههِ وربَّما في فهمِهِ، فإنَّ الحسنَ المـُثنَّى (عليه السَّلام) عاشَ خمسًا وثلاثينَ سنةً بعدَ أن استُنْقِذَ وسَلِمَ مِنْ واقِعَةِ الطَّفّ، فإذا أضفنا خمسًا وثلاثين سنةً بعدَ سنةِ إحدى وستِّين يكون التَّاريخُ سنةَ ستٍّ وتسعين، أي في أيَّامِ الوليد بن عبدالملك، وهي السَّنَةُ الَّتي يُفهَمُ مِنْ كلامِ الصَّفديّ أنَّ الحسنَ المـُثنَّى تُوفِّيَ فيها، وهي أيضًا السَّنةُ الَّتي تُوفِّيَ فيها الوليد بن عبدالملك، ولمـَّا كانت وفاةُ الحسنِ في أيَّامِ الوليد أي في مُلكِهِ، وكانَ الوليدُ قد تُوفِّي في النِّصفِ مِنْ جمادى الآخِرَة، فتكون وفاةُ الحسنِ قَبَلَ هذا التَّاريخ، وبالجُملَةِ هي في النِّصفِ الأوَّل مِنْ سنةِ ستٍّ وتسعين، واللهُ المُوفِّقُ للصَّواب.

أمَّا كيفيَّةُ وفاتِهِ، فقد تقدَّمَ عن السَّيِّد أبي العبَّاس، والسَّيِّد أبي إسماعيل الطَّباطبائيّ، والسَّيِّد ابن عِنَبَةَ أنَّ الحسنَ تُوفِّي مقتُولاً، وأنَّ قاتِلَهُ هو الوليد بن عبدالملك، ونصَّ أبو العبَّاس وابنُ عِنَبَةَ على أنَّ الوليد دَسَّ إليه السُّمَّ فقَتَلَهُ، وذَكَرَ السَّيِّد أبو إسماعيل أنَّ الوليدَ قَتَلَهُ صَبْرًا، وقد عرفتَ حال الرِّواية عِندَ السَّيِّد أبي العبَّاس وكذلك عِندَ السَّيِّد ابن عِنَبة إلاَّ أنَّ هذا لا يَلزَمُ مِنْهُ نفيُ قَتْلِ الوليد للحسن إذ يَعضدُهُ كلامُ السَّيِّد أبي إسماعيل وإن اختَلَفتْ روايتهُ عنهُما في كيفيَّةِ ذلك، ووقوعُ مِثْلِهِ مِنْ قِبَلِ الوليد ليسَ بمدفوعٍ أصلاً، فعزمُ الوليدِ على قتلِهِ له شاهدٌ صريحٌ في الأخبار، فقد أورَدَ المِزِّيُّ في ترجمة الحسنِ المـُثنَّى مِنْ كِتابهِ تهذيب الكمال 6/93 عن أبي جعفرٍ محمَّد بن الحسين البُرْجُلانيّ، قال: «عن محمَّد بن سعيد ابن الأصبهاني، عن شَرِيك، عن عبدالملك بن عُمَير: كَتَبَ الوليدُ إلى عثمان بن حيَّان المـُرِّيِّ: انظُرِ الحسنَ بن الحسنِ فاجلِدهُ مِائَةَ ضَربَةٍ، وقِفهُ للنَّاسِ يَومًا، ولا أرانِي إلاَّ قاتلهُ»، ورواهُ ابن عساكر في تاريخ دمشق 13/66 بإسنادِهِ إلى عبدالملك بن عُمَير.

ومنطوق الأخبارِ يُفيدُ أنَّ الوليدَ كانَ مُبغِضًا للحسنِ مُتحامِلاً عليه حاسِدًا لهُ، فقد أورَدَ السَّمهُوديّ في الفَصلِ السَّادس عشر مِنْ كِتابِهِ وفاء الوفاء 2/89، عن ابنِ زَبالَةَ، قال: «حَدَّثَني عبدالعزيز بن محمَّد عن بعضِ أهلِ العِلْمِ، قال: قَدِمَ الوليدُ بن عبدالملك حاجًّا، فبَينا هو يَخطب النَّاسَ على منبَرِ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إذ حانَتْ مِنْهُ التِفاتَةٌ فإذا بحسنِ بن حسنِ بن عليِّ بن أبي طالبٍ في بَيتِ فاطمة، في يَدِهِ مِرآةٌ يَنظُرُ فيها، فلمَّا نَزلَ أرسَلَ إلى عُمَر بن عبدالعزيز [وكانَ واليهِ على المدينة وقتئذ] فقال: لا أرَى هذا قد بقيَ بعد، اشْتَرِ هذه المواضِعَ وأدخِل بيتَ النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) المَسجِدَ واسْدُدْهُ».

وقال السَّمهُوديُّ في الفصلِ الثَّامن مِنْ خُلاصَةِ الوفاء 2/106: «وفي خَبَرٍ ليحيى [يعني يحيى بن الحسن العلويّ النَّسَّابة، وفي وفاءِ الوفاء رواهُ يَحيى عن عبدالله الأشتر بن محمَّد النَّفْسِ الزَّكيَّة، ورَوَى عنهُ الَّذي قَبْلَهُ أيضًا]: «إنَّهُ لمـَّا نَزَلَ مِنْ خُطبَتِهِ أمرَ بِهَدْمِ بَيتِ فاطمة، وأنَّ حسنَ بن حسنٍ وفاطمةَ بنت الحسينِ أبوا أن يَخرُجوا مِنْهُ فأرسَلَ إليهِم الوليدُ إن لَمْ تَخرُجوا مِنْهُ هَدَمتُهُ عليكُم فأبوا أن يَخرُجوا فأمرَ بهَدمِهِ عليهِم وهُما فيه ووَلَدَهُما، فنَزَعَ أساسَ البيتِ وهُم فيه، فلمَّا نُزِعَ قالوا لهُم إن لَمْ تَخرُجوا قَوَّضناهُ عليكُم، فخَرَجُوا مِنْهُ حَتَّى أتوا دارَ عليٍّ نَهارًا».

فإنَّ مِثْلِ هذهِ الأخبار ــ مع ما تَقدَّمَ مِنَ نصوص ذَكرناها ــ تُقوِّي وتعضدُ إقدامَ الوليد على قَتْلِ الحسنِ ولا تَدفعهُ، فلاحِظ وتأمَّل.

وأمَّا مَوضِعُ قَبْرِهِ؛ فكما نصَّ عليهِ السَّيِّد ابن الطَّقْطَقِيِّ الحَسَنيِّ الطَباطَبائيِّ (انظر المختصر في أخبار مشاهير الطَّالبيَّة والأئمة الاثني عشر صـ237) وغَيرهُ، بالبقيع الغَرقَد، حيثُ كانت وفاتُهُ بالمـَدينة سنةَ ستٍّ وتسعين كما بيَّنَّاهُ، ثُمَّ حُمِلَ (عليه السَّلام) إلى البقيع الغَرقَدِ فدُفِنَ فيه، فهذا هو الصَّحيحُ في مَوضِعِ قَبْرِهِ، وأمَّا ما يُردِّدهُ بعضُ العامَّةِ مِنْ أهلِ ينبع النَّخل مِنْ أرض الحجاز أنَّ قَبْرَ المـُثنَّى عِندَهُم، فلا دليلَ عليه، ولا يُلْتَفَتُ إليه، إذ إنَّ جميعَ مَنْ وَقَفتُ لهُ على كلامٍ في مَحلِّ وفاة الحسنِ ومَوضِعِ قَبْرِهِ مِنْ أهلِ العِلْمِ لا سِيَّما النَّسَّابينَ مِنْهُم؛ يَذكرونَ أنَّ وفاتَهُ كانت في المدينة، وأنَّهُ دُفِنَ بالبقيع.

والمـُتحصِّلُ مِنْ هذا كُلِّه أنَّ الحسن المـُثنَّى وُلِدَ سنةَ أربعين، وكانَ لهُ يوم الطَّف عشرون سنةً، وقد دخَلَ في الواحدة والعشرين، وعاشَ بعدَ ذلكَ خمسًا وثلاثينَ سنة، إلى أن كانت وفاتُهُ بالمدينة في النِّصف الأوَّل مِنْ سنةِ ستٍّ وتسعين، وهو ابن خمسٍ وخمسين سنةً وأشهر، ودُفِنَ بالبقيع الغَرقد، ولا يَثبُتُ وقوع بيعةِ لهُ فضلاً عن بيعةِ ابن الأشعث لهُ، ولا يَثبُتُ عنهُ أنَّهُ ادَّعى الإمامة لنَفْسِهِ ولا ادِّعاها لهُ مُدَّعٍ في حياتِهِ.



هذا آخره وهو تمام ما أوردناه في حاشية مطلبه، على أنَّ فيه عدَّة جوانب لمْ تُبحث أو تناقش تركناها اختصارًا، وفيها زيادة بيان واستدلال تؤيِّدُ ما خلصنا إليه وتقوِّيه، علَّ الله سبحانه وتعالى يوفِّقنا إلى إفرادها في بحثٍ مُستقلٍّ أوسع وأشمل، والحمد لله وصلَّى الله على محمَّد وآله.


وكَتَبَ

السَّيِّد أبو الحَسَن علاء المـُوسَوِيُّ

كان الله لهُ